قال شقيق البلخي : - وقد كان من أطباء القلوب - يوماً لتلميذه ، حاتم الأصم :
ما الذي تعلمته منى منذ صحبتي ( 30 سنة ) فقال حاتم الأصم :
ستة أشياء :
الأول : رأيت الناس في شك من أمر الرزق ، وما منهم إلا وهو شحيح بما عنده حريص
عليه ، فتوكلت على الله لقوله تعالى : { وما من دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقها } .
لأني من جملة الدواب فلم أشغل قلبي بما تكفل به القوي المتين . . . فقال له : أحسنت .
الثاني : رأيت لكل إنسان صديقاً يفشى إليه سره ، ويشكو إليه أمره ، ولكنهم لا يكتمون
الأسرار ، ولا يدفعون مصادمة الأقدار ، فجعلت صديقي العمل الصالح ليكون عوناً لي
عند الحساب ، ويثبتني بين يدي الله - عز وجل - ويرافقني في مروري على الصراط. . .
فقال له : أحسنت .
الثالث : رأيت لكل واحد من الناس عدواً فنظرت فإذا الذي اغتابني ليس عدوي ولا من
ظلمني ولا من أساءني ؛ لأنه إنما يهاديني بحسناته ويتحمل عنى سيئاتي ، ولكن عدوي
هو الذي إذا كنت في طاعة الله تعالى أغراني بمعصيته فرأيت أن ذلك هو إبليس والنفس
والدنيا والهوى فاتخذتهم أعداء واحترست منهم وأعددت العدة لمحاربتهم ، فلا أدع واحداً
منهم يقربني . . . فقال : أحسنت .
الرابع : رأيت أن كل حي مطلوب وأن ملك الموت - عليه السلام - هو الطالب ففرغت
نفسي لملاقاته حتى إذا ما جاء بادرت معه بلا عائق . . . فقال له : أحسنت .
الخامس : نظرت إلى الناس متحابين ومتباغضين ، ورأيت المحب لا يملك لحبيبه شيئاً ،
فتأملت سبب المحبة والبغضاء فعلمت أنه الجسد فنفيته عنى بنفي العلائق التي بيني وبينه
، وهي الشهوات فأحببت الناس كلهم فلم أرض لهم إلا ما رضيته لنفسي. .
فقال له : أحسنت .
السادس : رأيت أن كل ساكن لا بد له من مفارقة سكنه ، وأن مصير كل ساكن إلى القبر
فأعددت كل ما قدرت عليه من الأعمال التي تسرني في ذلك المسكن الجديد الذي ما
وراءه إلا الجنة أو النار . فقال له شقيق البلخي : يكفيك ذلك واعمل عليه إلى الموت .