أنادي الرسم
أحمد شوقي
أنادي الرسم لو ملك الجوابا *** وأجزيه بدمعي لو أثابا
وقل لحقه العبرات تجري *** وإن كانت سواد القلب ذابا
سبقن مقبلات الترب عني *** وأدين التحية والخطابا
فنثري الدمع في الدمن البوالي *** كنظمي في كواعبها الشبابا
وقفت بها كما شاءت وشاءوا *** وقوفا علم الصبر الذهابا
لها حق وللأحباب حق *** رشفت وصالهم فيها حبابا
ومن شكر المناجم محسنات *** إذا التبر انجلى شكر الترابا
وبين جوانحي واف ألوف *** إذا لمح الديار مضى وثابا
رأى ميل الزمان بها فكانت *** على الأيام صحبته عتابا
وداعا أرض أندلس وهذا *** ثنائي إن رضيت به ثوابا
وما أثنيت إلا بعد علم *** وكم من جاهل أثنى فعابا
تخذتك موئلا فحللت أندى *** ذرا من وائل وأعز غابا
مغرب آدم من دار عدن *** قضاها في حماك لي اغترابا
شكرت الفلك يوم حويت رحلي *** فيا لمفارق شكر الغرابا
فأنت أرحتني من كل أنف *** كأنف الميت في النزع انتصابا
ومنظر كل خوان يراني *** بوجه كالبغي رمى النقابا
وليس بعامر بنيان قوم *** إذا أخلاقهم كانت خرابا
أحق كنت للزهراء ساحا *** وكنت لساكن الزاهي رحابا
ولم تك جور أبهى منك وردا *** ولم تك بابل أشهى شرابا
وأن المجد في الدنيا رحيق *** إذا طال الزمان عليه طابا
أولئك أمة ضربوا المعالي *** بمشرقها ومغربها قبابا
جرى كدرا لهم صفو الليالي *** وغاية كل صفو أن يشابا
مشيبة القرون أديل منها *** ألم تر قرنها في الجو شابا
معلقة تنظر صولجانا *** يخر عن السماء بها لعابا
تعد بها على الأمم الليالي *** وما تدري السنين ولا الحسابا
ويا وطني لقيتك بعد يأس *** كأني قد لقيت بك الشبابا
وكل مسافر سيئوب يوما *** إذا رزق السلامة والإيابا
ولو أني دعيت لكنت ديني *** عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي *** إذا فهت الشهادة والمتابا
وقد سبقت ركائبي القوافي *** مقلدة أزمتها طرابا
تجوب الدهر نحوك والفيافي *** وتقتحم الليالي لا العبابا
وتهديك الثناء الحر تاجا *** على تاجيك مؤتلقا عجابا
هدانا ضوء ثغرك من ثلاث *** كما تهدي المنورة الركابا
وقد غشي المنار البحر نورا *** كنار الطور جللت الشعابا
وقيل الثغر فاتأدت فأرست *** فكانت من ثراك الطهر قابا
فصفحا للزمان لصبح يوم *** به أضحى الزمان إلي ثابا
وحيا الله فتيانا سماحا *** كسوا عطفي من فخر ثيابا
ملائكة إذا حفوك يوما *** أحبك كل من تلقى وهابا
وإن حملتك أيديهم بحورا *** بلغت على أكفهم السحابا
تلقوني بكل أغر زاه *** كأن على أسرته شهابا
ترى الإيمان مؤتلقا عليه *** ونور العلم والكرم اللبابا
وتلمح من وضاءة صفحتيه *** محيا مصر رائعة كعابا
وما أدبي لما أسدوه أهل *** ولكن من أحب الشيء حابى
شباب النيل إن لكم لصوتا *** ملبى حين يرفع مستجابا
فهزوا العرش بالدعوات حتى *** يخفف عن كنانته العذابا
أمن حرب البسوس إلى غلاء *** يكاد يعيدها سبعا صعابا
وهل في القوم يوسف يتقيها *** ويحسن حسبة ويرى صوابا
عبادك رب قد جاعوا بمصر *** أنيلا سقت فيهم أم سرابا
حنانك واهد للحسنى تجارا *** بها ملكوا المرافق والرقابا
ورقق للفقير بها قلوبا *** محجرة وأكبادا صلابا
أمن أكل اليتيم له عقاب *** ومن أكل الفقير فلا عقابا
أصيب من التجار بكل ضار *** أشد من الزمان عليه نابا
يكاد إذا غذاه أو كساه *** ينازعه الحشاشة والإهابا
وتسمع رحمة في كل ناد *** ولست تحس للبر انتدابا
أكل في كتاب الله إلا *** زكاة المال ليست فيه بابا
إذا ما الطامعون شكوا وضجوا *** فدعهم واسمع الغرثى السغابا
فما يبكون من ثكل ولكن *** كما تصف المعددة المصابا
ولم أر مثل سوق الخير كسبا *** ولا كتجارة السوء اكتسابا
ولا كأولئك البؤساء شاء *** إذا جوعتها انتشرت ذئابا
ولولا البر لم يبعث رسول *** ولم يحمل إلى قوم كتابا