من هم الصالحون؟
سألت الرجل المغربي الصالح الذي وجدته في الصحراء الليبية :
- من هم الصالحون ؟
- قال : لباسهم ما سَتَر، وطعامهم ما حضر ..
أبرار أخفياء أتقياء .. إذا غابوا لم يُفتقَدوا، وإذا حضروا لم يُعرفوا ..
تحابوا في روح الله على غير أموال ولا أنساب .. يتعارفون في الله ويحبون في الله ويكرهون في الله ..
يقول الله عنهم يوم القيامة .. أين المتحابون بجلالي .. اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ..
- قلت له : هل لهم وجود في هذه الأيام ؟
- قال : خَلَت الديار وبادَ القوم .. وارتحل أرباب السهر .. وبقيَ أهل النوم .. واستَبدَل الزمان بآكلي الشهوات أهل الصوم ..
لم يبق إلا أقزام مهازيل حثالة كحثالة الشعير أمثالنا لا يبالي الله بهم ..
- قلت ما رأيك في أهل هذا الزمان ؟
- قال في حسرة:
اعترفوا بالله وتركوا أمره ..
وقرءوا القرآن ولم يعملوا به ..
وقالوا نحب الرسول ولم يتَّبعوا سنته ..
وقالوا نحب الجنة وتركوا طريقها ..
وقالوا نكره النار وتسابقوا إليها ..
وقالوا إبليس لنا عدو وأطاعوه ..
ودفنوا أمواتهم ولم يَعتبِروا بهم ..
واشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم ..
وجمعوا المال ونسوا الحساب ..
وبنوا القصور ونسوا القبور ..
لقد كنا في زماننا نحلم بالحج إلى مكة والقدس والموت بهما ..
وأنتم جاءتكم فرصة الشهادة إلى بابكم بالقدس فماذا فعلتم ؟
ولم أجد كلمة أُجيب بها .
أما هو فراح يبكي ويُغمغِم بين دموعه ..
والله لولا عبادٌ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع .. لصب عليكم العذاب صبا ..
وحينما تركته كان قد بدأ ينشد :
" وشمس على المعنى مطالع أفقها ... فمغربها فينا ومشرقها منا "
وكنت أسير مستغرقًا في التفكير ..
وكان إنشاد الفقير المغربي مازال يرن في أذني ..
" وشمس على المعنى طالع أفقها .. فمغربها فينا ومشرقها منا "
نعم إن الشمس تغرب فينا الآن ..
فمتى يكون مشرقها منا .. ؟!
متى تعود الشمس لتشرق منا ؟؟؟
متى ينتهي الغروب والليل وينبثق منا الفجر من جديد
متى ؟!
د. مصطفى محمود..
من كتــاب : مغامرة في الصحراء