من زاد المعاد في هدي خير العباد للحافظ ابن القيم
في ألفاظ كان صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أن تُقَال
فصل :
في ألفاظ كان صلى الله عليه وسلم- يَكْرَهُ أن تُقَال
فَمِنْهَا: أن يقول: خَبُثَتْ نَفْسِي، أَوْ جَاشَتْ نَفْسِي ، وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ.
ومنها: أن يُسَمِّى شَجَرَ العِنَبِ كَرْماً، نَهَى عَنْ ذلِكَ، وقال: ((لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنْبُ والحَبَلةُ)).
وكرِه أن يقولَ الرجلُ: هلكَ النَّاسُ. وقال: ((إذَا قَالَ ذلِكَ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ)). وفي معنى هذا: فسد الناسُ، وفسد الزمانُ ونحوهُ.
ونهى أن يُقَالَ: ما شَاءَ الله، وَشَاءَ فُلانٌ، بَلْ يُقَالُ: مَا شَاءَ الله، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ،
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ الله وَشِئْتَ، فَقَالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدّاً؟، قل: مَا شَاءَ الله وَحْدَهُ)).
وفي معنى هذَا: لولا الله وفلانٌ، لما كانَ كذا، بل هو أقبحُ وأنكر، وكذلك: أنا باللَّهِ وبفُلان، وأعوذُ باللَّهِ وبفُلان، وأنا فى حَسْبِ الله وحَسْبِ فلان، وأنا متَّكِل على الله وعلى فلان، فقائلُ هذا، قد جعل فلاناً نِدَّاً للهِ عَزَّ وجَلَّ.
ومنها: أن يُقال: مُطِرْنا بَنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، بل يقُولُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمتهِ.
ومنها: أن يحلِفَ بغير الله. صحَّ عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ)).
ومنها: أن يقول فى حَلِفِهِ: هو يَهُودِي، أو نصراني، أو كافر، إن فعل كذا.
ومنها: أن يقولَ لِمسلمٍ: يا كَافِرُ.
ومنها: أن يقولَ للسلطان: مَلِكُ المُلُوكِ. وعلى قياسه: قاضي القضاة.
ومنها: أن يقول السَّيِّدُ لِغلامه وجارِيته: عَبْدِي، وأمَتِي، ويقول الغلامُ لسيده: ربى، وليقُل السَّيِّدُ: فَتَاي وفتاتي، وليَقُلِ الغلامُ: سيِّدي وسيِّدتي.
ومنها: سبُّ الرِّيحِ إذَا هبَّتْ، بل يسألُ الله خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، ويَعُوذُ باللَّهِ مِنْ شرِّهَا وشر ما أُرسلت به.
ومنها: سبُّ الحُمَّى، نهى عنه، وقال: ((إنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ)).
ومنها: النَّهي عن سب الدِّيكِ، صحَّ عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإنَّهُ يُوقِظُ للصَّلاةِ)).
ومنها: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتَّعَزِّي بعزائهم، كالدُّعَاء إلى القبائل والعَصبِيَّة لها وللأنساب، ومثلهُ التعصبُ لِلمذاهب، والطرائِقِ، والمشايخ، وتفضيلُ بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونُهُ منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويُوالي عليه، ويُعادِي عليه، وَيزِنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية.
ومنها: تسميةُ العِشَاء بِالعَتَمَةِ تسمية غالبة يُهجَرُ فيها لفظُ العِشَاء.
ومنها: النهي عَن سِبَابِ المُسْلِم، وأن يتناجى اثنَانِ دُونَ الثَّالِث. وأن تُخْبِرَ المرأةُ زَوْجَها بِمَحَاسِنِ امرأةٍ أُخْرَى.
ومنها: أن يقولَ في دُعائه: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، وارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ)).
ومنها: الإكثارُ مِنَ الحَلِفِ.
ومنها: كراهةُ أن يقول: قَوْسُ قُزَح، لِهذَا الذي يُرى في السَمَاء.
ومنها: أن يسأل أحَداً بِوَجهِ الله.
ومنها: أن يسمِّي المدينة بيثرب.
ومنها: أن يُسألَ الرجلُ فيم ضرَبَ امرأته، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ومنها: أنْ يقول: صُمْتُ رمضانَ كُلَّهُ، أو قمتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ.
فصل
في كراهة الإفصاح عن الأشياء التي ينبغي الكناية عنها بأسمائها الصريحة
ومن الألفاظِ المكروهَةِ الإفصاحُ عَنِ الأشياءِ التي ينبغي الكنايةُ عنها بأسمائها الصَّريحة:
ومنها: أن يقولَ: أطالَ الله بقاءَك، وأدامَ أيَّامَكَ، وعِشتَ ألفَ سنة ... ونحو ذلك.
ومنها: أن يقول الصائِمُ: وحقِّ الذى خَاتِمه على فمِ الكافر.
ومنها: أن يقول للمُكُوس: حقوقاً. وأن يقول لِمَا يُنْفِقُهُ في طاعةِ الله: غَرِمْتُ أو خَسِرْتُ كَذَا وَكَذَا، وأن يقولَ: أنفقتُ في هذه الدنيا مالاً كثيراً.
ومنها: أن يقولَ المفتي: أحلَّ اللهُ كذَا، وحرّم الله كذا فى المسائل الاجتهادية، وإنما يقولُه فيما ورد النصُّ بتحريمه.
ومنها: أن يُسَمِّي أدلةَ القرآن والسُّـنَّة ظواهِرَ لفظية ومجازاتٍ، فإن هذه التسمية تُسْقِطُ حُرمتَها مِن القلوب، ولا سيما إذا أضَافَ إلى ذلك تسمية شُبَهِ المتكلمينَ والفلاسفة قَواطِعَ عَقلية، فلا إله إلا الله، كم حَصَلَ بهاتين التسميتين مِن فساد في العقول والأديان، والدنيا والدين.
فصل
فى كراهة أن يُحدِّث الرجل بجِماع أهله وما يكون بينه وبينها
ومنها: أن يُحدِّث الرجلُ بجِمَاع أهله، وما يكونُ بينه وبينها، كما يفعله السَّفَلَةُ.
ومما يُكره من الألفاظ: زعموا، وذكروا، وقالوا... ونحوه.
ومما يُكره منها أن يقول للسلطان: خليفةُ الله، أو نائِبُ الله فى أرضه، فإن الخليفة والنائبَ إنما يكونُ عن غائب، واللَّهُ سبحانه وتعالى خليفةُ الغَائِبِ فى أهلهِ، ووكيلُ عبده المؤمن.
فصل
فى التحذير من طغيان ((أنا))، و((لي))، و((عندي))
وليحذر كُلَّ الحذر من طغيان ((أنا))، و((لي))، و((عندي))، فإن هذه الألفاظَ الثلاثةَ ابتُلي بها إبليسُ، وفرعون، وقارون: فـ {أنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] [ص: 76] لإبليس، و{لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51] لفرعون، و{إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] لقارون. وأحسنُ ما وُضِعَت ((أنا)) فى قول العبد: أنا العبدُ المذنب، أنا المخطئ، أنا المستغفر، أنا المعترِف ... ونحوه. و((لي))، في قوله: لي الذنب، ولي الجُرم، ولي المسكنةُ، ولي الفقرُ والذل. و((عندي)) في قوله: ((اغْفِرْ لي جِدِّى، وَهَزْلِي، وخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي)).