مؤذن الرسول
بلال بن رباح
...............
إنه بلال بن رباح الحبشي - رضي الله عنه-،كان قبل إسلامه عبدا مملوكا لأمية بن خلف .
..............
إسلامه :
...................
كان بلال قد بدأ يسمع عن الرسول الذي جاء بدين جديد، يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، ويحث على المساواة بين البشر، ويأمر بمكارم الأخلاق، وبدأ يصغي إلى أحاديث زعماء قريش وهم يتحدثون عن محمد. سمعهم وهم يتحدثون عن أمانته، ووفائه، وعن رجولته، ورجاحة عقله، سمعهم وهم يقولون: ما كان محمد يومًا كاذبًا، ولا ساحرًا، ولا مجنونًا، وأخيرًا سمعهم وهم يتحدثون عن أسباب عداوتهم لمحمد
( أنهم لا يريدون أن يتسيد عليهم يتيم لطالما لقبوه بيتيم أبي طالب ,
خوفا على مكانتهم وسيادتهم , وحفاظا على آلتهم المزعومة التي أغروا العرب بالمجيء إليها وبشرائها وما يحققونه من أرباح طائلة من الخمر والميسر وظلم العبيد ......... إلخ )
فوقع الإسلام من قلبه في موقع
فذهب بلال إلى رسول الله ليسلم لله رب العالمين،
...........................
بلال الصابر :
....................
وينتشر خبر إسلام بلال في أنحاء مكة، ويعلم سيده أمية بن خلف فيغضب غضبًا شديدًا، فأخذ يعذب بلالا بنفسه؛ لقد كانوا يخرجون به إلى الصحراء في وقت الظهيرة، ذلك الوقت الذي تصير فيه الصحراء كأنها قطعة من نار، ثم يطرحونه عاريًا على الرمال الملتهبة، ويأتون بالحجارة الكبيرة، ويضعونها فوق جسده، ثم يوسعونه ضربا بالسياط حتى يدمى جسده , ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، ويظل بلال صابرًا مصممًا على التمسك بدينه،
يقول له أمية بن خلف: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى،
فيقول بلال: أحد.. أحد!!
( أي الله ربي واحد أحد )
لقد هانت على بلال نفسه بعدما ذاق طعم الإيمان، فلم يعد يهتم بما يحدث له في سبيل الله، ثم أمر زعماء قريش صبيانهم أن يطوفوا به في شعاب مكة وشوارعها ليكون عبرة لمن تحدثه نفسه أن يتبع محمدًا، وبلال لا ينطق إلا كلمة واحدة، هي: أحد.. أحد، فيغتاظ أمية ويتفجر غمًّا وحزنًا، ويزداد عذابه لبلال.
.......................
أبو بكر الصديق يشتري بلالا :
..................................
وذات يوم، كان أمية بن خلف يضرب بلالاً بالسوط، فمرَّ عليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه-، فقال له: يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟ فقال أمية لأبي بكر: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، وواصل أمية ضربه لبلال، وقد يئس منه، فطلب أبو بكر شراءه، وأعطى أمية ثلاث أواق من الذهب نظير أن يترك بلالا،
فقال أمية لأبي بكر الصديق: فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها، فقال أبو بكر: والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها لك، وانطلق أبو بكر ببلال إلى رسول الله ( يبشره بتحريره.
............................
بلال بعد الهجرة :
..............................
وبعد هجرة النبي ( والمسلمين إلى المدينة واستقرارهم بها، وقع اختيار الرسول ( على بلال ليكون أول مؤذن للإسلام، ولم يقتصر دور بلال على الأذان فحسب، بل كان يشارك النبي ( في كل الغزوات، ففي غزوة بدر أول لقاء بين المسلمين وقريش دفعت قريش بفلذات أكبادها، ودارت حرب عنيفة قاسية انتصر فيها المسلمون
انتصارًا عظيمًا.
............................
بلال يقتل أمية بن خلف :
..............................
وفي أثناء المعركة ( بدر ) لمح بلال أمية بن خلف، فصاح قائلاً: رأس الكفر
أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا، وكانت نهاية هذا الكافر على يد بلال، تلك اليد التي كثيرًا ما طوقها أمية بالسلاسل من قبل، وأوجع صاحبها ضربًا بالسوط.
.....................................
النبي صلى الله عليه وسلم يصفه
بأنه رجل من أهل الجنة :
......................................
وعاش بلال مع رسول الله ( يؤذن للصلاة، ويحيي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات إلى النور، ومن رقِّ العبودية إلى الحرية، وكل يوم يزداد بلال قربًا من قلب رسول الله ( الذي كان يصفه بأنه رجل من أهل الجنة،
قال له يوما ( يا بلال أي عمل في الإسلام عملت فإني سمعت خشخشة نعليك في الجنة ؟
قال بلال : يا رسول الله ما توضأت وضوءا إلا وصليت ركعتين .)
..................
تواضعه :
.....................
ومع كل هذا التكريم ، ظل بلال كما هو كريمًا متواضعًا لا يرى لنفسه ميزة على أصحابه.
وذات يوم ذهب بلال يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين، فقال لأبيهما: أنا بلال، وهذا أخي، عبدان من الحبشة، كنا ضالين فهدانا الله، وكنا عبدين فأعتقنا الله، إن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله. فزوجوهما،
...........
عبادته :
...............
وكان بلال - رضي الله عنه- عابدًا لله، ورعًا، كثير الصلاة، قال له النبي ( ذات يوم بعد صلاة الصبح: (حدِّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فأني قد سمعت الليلة خشفة نعليك (صوت نعليك) بين يدي في الجنة)، فقال بلال:
ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهورًا تامًا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي. [البخاري].
...................
عفوه :
.....................
ذات مرة خرجت من أبي ذر الغفاري كلمة تتنقص من قدر بلال
إذ قال له ( يا ابن السوداء )
فلما علم النبي الكريم بأمرها قال لأبي ذر ( يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ , أنت امرؤ فيك جاهلية )
فما كان من أبي ذر رضي الله عنه إلا أن أحس بالندم وأراد أن يكفر عن ذنبه , ويستسمح بلالا ويسترضيه ليعفو عنه , فنام على الأرض ووضع خده على التراب وقال لبلال ( أوطئ خدي برجلك )
ولكن بلالا رضي الله عنه لم يفعل وعفا عنه
............................................
بلال يحزن لفراق النبي صلى الله عليه وسلم . ويغادر المدينة
............................................
حزن بلال حزنًا شديدًا لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يستطع أن يعيش في المدينة بعدها، فاستأذن من الخليفة أبي بكر في الخروج إلى الشام ليجاهد في سبيل الله، وذكر له حديث رسول الله : (أفضل عمل المؤمنين جهاد في سبيل الله) [الطبراني].
أبى بلال أن يؤذن لأحد بعد رسول الله من شدة حزنه على فراقه
فقد عرض عليه أبو بكر أن يبقى معه في المدينة ليؤذن لهم , فقال بلال ( تلك أيام قد خلت لا أذنت لك ولا لأحد غيرك )
فأذن له الصديق فخرج إلى الشام
.......................
بلال يزور المدينة
بدعوة من رسول الله
...........................
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كرر لبلال هذا العرض بأن يعود ليبقى في المدينة
ليؤذن للمسلمين
لكنه اعتذر لعمر أيضا بأنه لن يؤذن لأحد بعد رسول الله
وفي ذات ليلة نام بلال فرأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ( ما هذه الجفوة يا بلال ؟)
فلما أصبح بلال ركب من فوره قاصدا المدينة , فلما وصل دخل مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم وصلى ووقف على روضته الشريف فبكى
فجاء إليه الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا له ( يا بلال أذن لنا كما كنت تؤذن لجدنا ) صلى الله عليه وسلم
فاحتضنهما بلال وهو يبكي . وقال والله لولاكما ما أذنت لما يحسه فيهما من قرب من النبي صلى الله عليه وسلم
فارتقى بلال الجدار وصدح بالأذان
فلما سمع صوته في المدينة هرع الناس من بيوتهم يجرون وخرجت النساء يبكين
قالوا ( أبعث رسول الله ؟)
............
ثم ذهب بلال إلى الشام، وظل يجاهد بها حتى توفي - رضي الله عنه - .
......................................