زيد بن حارثة
حب رسول الله
...........................
هو:
زيد بن حارثة بن شراحيل من بني قضاعة،
أبو أسامة، الملقب بحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
...........................
أسره وبيعه في سوق الرقيق :
.................................
لم يكن زيد بن حارثة سليل عبيد , أو ابنا لأسرة تبيع أولادها في أسواق الرقيق, إنما كان ابنا لأسرة حرة تحب الحرية وتفضلها على ما عداها من زخرف الحياة ومتاعها ,
أما عن سبب بيعه مسترقا مستعبدا أنه
كان قد أصابه سبي في الجاهلية ( حيث كان مع أمه سعدى بنت ثعلبة عند أخواله من حي بني معن , فهجمت على الحي عصابة من بني القين , فأسروا زيدا مع من أسروا من غلمان وباعوهم في سوق الرقيق ) .
.............................................
زيد بن حارثة في بيت محمد بن عبد الله :
.........................................
كانت السيدة خديجة قد عهدت إلى ابن أخيها حكيم بن حزام أن يشتري لها غلاما يقوم على خدمتها , فلما وصل السوق , وجد هذا الغلام من بين من وجد من الغلمان , فتوسم فيه الطيبة وحسن الخلق وكرم الأصل .
فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حباشة، وهي سوق بناحية مكة كانت مجمعا للعرب يتسوقون بها في كل سنة، ثم ذهب به مستبشرا إلى عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته خديجة لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم , فتبناه محمد صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة
- كما سيأتي ذكره - ، وهو ابن ثمان سنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشرين سنة .
........................................................
بكاء حارثة وحزنه على فقد ولده :
............................
بعد فقد حارثة بن شراحيل لولده زيد ظل يواصل الليل بالنهار بكاء عليه , فقد انقطع عنه خبره , ولم يعلم أحي هو أم ميت ؟, وإن كان حيا فبأي أرض هو ؟
وقال حارثة حين فقده:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل: أحي يرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإن كنت سائلا: أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة: فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها: وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره: فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا: ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي: وكل امرئ فان وإن غره الأجل
سأوصي به عمرا وقيسا كليهما : وأوصى يزيد ثم من بعده جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد وكان أكبر من زيد ويعني يزيد أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل
..........................
حارثة يعرف مكان ولده بمكة :
......................................
وفي أحد مواسم الحج حج ناس من كلب فرأوا زيدا بمكة فعرفهم وعرفوه , فأخبروه عن حال أبيه منذ فقده وعن بكائه وجزعه عليه
فقال لهم: أبلغوا عني أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فقال:
أحن إلى قومي وإن كنت نائيا: فإني قعيد البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم: ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة: كرام معد كابرا بعد كابر
......................................................
خروج حارثة وأخيه كعب لافتداء زيد:
........................................
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة . ووصفوا له موضعه وعند من هو. فخرج حارثة و أخوه كعب ابنا شراحيل قاصدين مكة لفدائه .
....................................................
زيد يختار محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) :
....................................
لما قدم حارثة وأخوه كعب مكة سألا عن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقيل: هو في المسجد فدخلا عليه فقالا: يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير , جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه.
فقال: " ومن هو ؟ "
قالا: زيد بن حارثة.
فقال محمد الله صلى الله عليه وسلم:
" فهلا غير ذلك ؟"!
قالا: وما هو ؟
قال: " ادعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا ".
قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت
" فدعاه فقال: " هل تعرف هؤلاء ؟ "
قال زيد : نعم.
قال: من هذان ؟
قال زيد : هذا أبي. وهذا عمي.
قال: " فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما ".
فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم.
فقال أبوه وعمه : ويحك يا زيد!
أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك و أهل بيتك ؟!
قال: نعم لقد رأيت من هذا الرجل شيئا. ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.
.........................................
محمد بن عبد الله يتبنى زيدا :
.....................................
فلما سمع محمد صلى الله عليه وسلم ذلك من زيد أخرجه إلى الحجر
فقال: "يا من حضر. اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه".
فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا وقفلا راجعين بعد أن اطمأنا إلى أن زيدا في أيد أمينة وبين أسرة كريمة.
وبعدها ارتفعت مكانة زيد في مكة وكان الناس يدعونه زيد بن محمد .
ولم تبطل هذه التسمية إلا بعد بعث محمد حيث نزل القرآن يقول : " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ". فدعي يومئذ زيد بن حارثة ودعي الأدعياء إلى آبائهم فدعي المقداد بن عمرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه.
............
إسلامه :
.....................
كان رضي الله عنه أول من أسلم من الموالي،
و أسلم في العشرينات من عمره، إذ كان ربيب بيت النبوة.....
ذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة.
و تقول بعض الروايات أنه ثاني من دخل الإسلام بعد السيدة خديجة .
وتقول روايات أخرى أنه رابع من دخل الإسلام حيث لم يسلم قبله إلا السيدة خديجة وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب .
...........................................
الله سبحانه ينزل في شأنه وحيا
ويخلد ذكراه بذكر اسمه في القرآن :
...........................................
ونزل في حقه قرآن يتلى ويتعبد بتلاوته إلى يوم الدين, فعن قتادة في قوله تعالى ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ) قال : هو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بل إنه الوحيد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء اسمه صريحا في كتاب الله: ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً )
(37) سورة الأحزاب.
و عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل في القرآن (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)
.......................................
في قصة زواجه من زينب وتطليقه لها وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها:
.................................................
عندما أحس النبي ( صلَّى الله عليه و سلم ) بحاجة زيد إلى الزواج أمر بخطبة بنت عمته زينب بنت جحش لزيد ، لكن زينب رفضت ذلك تبعا للتقاليد السائدة في تلك الأيام
ولاستنكاف الحرة من الزواج من العبد المعتق ، خاصة و إن زينب كانت من عائلة ذات حسب
و شأن بين العرب، فنزلت الآية الكريمة التالية : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) ، فأخبرت زينب النبي ( صلَّى الله عليه و سلم ) بقبولها بهذا الزواج ، و هكذا فقد تم الزواج برضا زينب ، نزولا عند رغبة الرسول
و خضوعا لحكم الله تعالى .
و المهم في هذا الزواج هو أن الرسول ( صلَّى الله عليه و آله وصحبه) أراد و بأمر من الله كسر العادات و التقاليد الخاطئة و التي كانت تمنع زواج العبيد المعتقين من بنات العوائل المعروفة ، و بالفعل فقد تحقق للنبي العظيم ما أراد
و تمكن من تطبيق المساواة بصورة عملية بين أفراد المجتمع الإسلامي .
.................................
طلاق زينب :
.........................
بعد ذلك تأثرت العلاقة الزوجية بين الزوجين ـ زينب و زيد ـ و آل أمرهما إلى الطلاق
و الانفصال رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها النبي ( صلَّى الله عليه و آله وصحبه) لمنع وقوع الطلاق .
........................
زواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من زينب :
................................................
و بعد أن مضى على طلاق زينب فترة قرر النبي ( صلَّى الله عليه و آله وصحبه ) أن يتزوج ابنة عمته زينب تعويضا لما حصل لها ، غير أن النبي كان يخشى العادات و التقاليد التي تُحرم زواج الرجل من زوجة ابنه من التبني لاعتباره ابناً حقيقيا ، و إلى هذه الحقيقة يُشير القرآن الكريم حيث يقول : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )
و لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى إن زواج النبي
( صلَّى الله عليه و آله وصحبه) من زينب إنما كان بأمر من الله تعالى ، كما تشهد بذلك تتمة الآية السابقة حيث تقول : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا )
وبذلك أبطل الإسلام عادة ثانية من عادات الجاهلية , التي تخص التبني فتعتبر الابن المتبنى كالابن من الصلب , يرث ويورث , وتحرم مطلقته على أبيه والعكس
قال تعالى ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم , ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )
هذا و إن زينب كانت متفهمة لنية الرسول
( صلَّى الله عليه و آله وصحبه ) بل ومجلة لما حباها الله تعالى من الشرف العظيم إذ جعل لها دورا في إزالة عادتين من عادات الجاهلية وأنها نالت شرف الزواج من الرسول ( صلَّى الله عليه و آله وصحبه ) فكانت زينب تفتخر على سائر نساء النبي ( صلَّى الله عليه و آله وصحبه )
و تقول :
زوَجَكن أهلُوكن و زوجني الله رسوله من السماء .
................................................
جهاده:
.................................
شهد زيد بن حارثة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل المشاهد
ففي غزوة بدر خرج وأخرج معه زوجه أم أيمن ( بركة ) , فكان زيد يرمي لأنه كان من أمهر الرماة , بينما كانت زوجه تحمل قربتها وتسقي المجاهدين , وتضمد جراح المصابين .
كما شهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر , وكان أحد القواد الثلاثة الذين اختارهم النبي صلى الله عليه وسلم لمؤتة .
..................................................
استشهاده :
.............................
قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل جيشا إلى حدود الشام لمحاربة الروم , وأعلن أن قواد هذا الجيش ثلاثة : هم زيد بن حارثة فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب , فإن أصيب فعبد الله بن رواحة .
وتحرك الجيش في جمادى الأولى من سنة ثمان , حتى وصل حدود الشام وعسكر بالقرب من بلدة تسمى مؤتة
وهنا فوجئ الجيش والذي عدده لا يتجاوز الثلاثة آلاف , بالعدد الرهيب لقوات الروم والذي جاوز المائتي ألف مقاتل .
واختلف المسلمون فمنهم من رأى الرجوع إلى المدينة ومنهم من رأى أن يكتبوا إلى رسول الله فإما أن يمدهم بمدد وإما أن يأمرهم بأمر
ولكن عبد الله بن رواحة فض هذا الخلاف إذ قام فيهم خطيبا مبينا لهم أنه توجب عليهم القتال وهم قد باعوا أرواحهم لله وأن المسلمين لا ينتصرون بكثرة العدد وذكرهم بنصر الله للمسلمين في بدر .
قال فيما قال : ( والله إن الذي تخافون منه لهو الذي جئتم تطلبونه , ومتى نقاتل الناس بعدد ولا عدة )
فتقدم زيد القائد الأول فحمل الراية ومن خلفه المسلمون , وظل يقاتل حتى ركز الروم على مكانه وتوالت عليه نبالهم حتى شاط في رماح القوم أي مزقت جسده تمزيقا
فتلقى عنه الراية القائد الثاني جعفر بن أبي طالب
واقتحم الصفوف فحاصره الروم , وأصابوا يمينه بضربة سيف فبتروها فلم يكن اهتمامه ليده
قدر اهتمامه لراية رسول الله فحملها بشماله , فبتروها فحاول محاولته الأخيرة أن يضمها إلى صدره بعضديه وهنا وجه إليه الروم الضربة القاضية وقبل أن تسقط الراية على الأرض كان القائد الثالث ابن رواحة قد تناولها واقتحم بها فظل يقاتل حتى نال الشرف الذي ناله زميلاه شرف الشهادة .
وقد أصبح موقف المسلمين بالغ الخطورة بعد استشهاد القواد الثلاثة , فتدخل خالد بن الوليد
وكان يومها جنديا في الجيش وقد قاتل بشراسة حتى تحطمت في يده تسعة أسياف , فاستطاع بخبرته العسكرية أن ينقذ جيش المسلمين وينسحب به عائدا إلى المدينة .
.................................
النبي صلى الله عليه وسلم
ينعي لأصحابه شهداء مؤتة :
.................................
قبل أن يصل خالد بالجيش إلى المدينة كانت الأخبار قد وصلت , إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نعى لأصحابه شهداء مؤتة , إذ كان جالسا بينهم فأخذته إغفاءة لبرهة قصيرة ثم انتبه فقال : أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا , لقد رفعوا جميعا إلى الجنة )