أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ ؟؟؟
لأبي القاسم الشابيّ
.............................
أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ
أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟
أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ
أينَ، الخيالُ والإلهامُ
أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ
أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟
إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ
فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ
أينَ عَزْمُ الحياة ِلا شيءَ
إلاّ الموتُ والصَّمتُ والأسى والظلامُ
عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ
ودمٌ لا تثيره الآلامُ
وحياة ٌ تنامُ في ظلمة ِ الوادي
وتنْمو من فوقِها الأوهام
أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ
رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام
.....................
قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ
فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ
ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ
حَتَّى أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ
وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك
فلم تضطرب، ولم تتألمْ
يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو
أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟
ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى
وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ
أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ
فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ
أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ
جامدٍ،لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ
أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ
شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟
.................................
آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ
فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ
ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الزاوي
وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ بعيداً..
وهناكَ اصطفى البقاءَ مع الأموات
في قبرِ أمسِهِ غيرَ آبِهْ
وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى
فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ
وتناسى الحياة َ والزّمَنَ الدّاوي
وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ
واعبدِ الأمسَ وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي
فدُنْيَا العجوزِ ذكرى شبابِهْ
.....................
وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ
جميلاً كالزّهر غضَّا صِباها
تتغنّى الحياة بالشوق والعزم
فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها
والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ
الوردِ والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً
ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ
جمالَ الوجودِ في مرآها