حلم معن بن زائدة
**************
تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن بن زائدة، وما هو عليه من وفرة الحلم ولين الجانب، وأطالوا في ذلك.
فقام أعرابي وآلى على نفسه أن يغضبه، فقالوا: إن قدرت على إغضابه فلك مئة بعير!!!
فانطلق الأعرابي إلى بيته، وعمد إلى شاة له فسلخها ثم ارتدى بإهابها، جاعلاً باطنه ظاهره، ثم دخل على معن بصورته تلك، ووقف أمامه طافح العينين، تارة ينظر إلى السماء وتارة إلى الأرض، ثم قال:
(أتذكر إذ لِحافُكَ جلد ُ شاةٍ ** وإذْ نعلاكَ من جلدِ البعيرِ)
قال معن: أذكر ذلك ولا أنساه يا أخا العرب ، فقال الأعرابيّ:
(فسبحان الذي أعطاك مُلكاً **وعلمَّك الجلوس على السريرِ)
فقال مَعْن: سبحانه وتعالى.
فقال الأعرابيُّ:
(فلستُ مسَّلِماً ما عشْتُ حيا ً** على مَعْنٍ بتسليمِ الأميرِ)
قال مَعْن: إن سلَّمْتَ رددنا عليك السلام، وإن تركت فلا ضيْرَ عليك.
فقال الأعرابيُّ:
(سأرحل عن بلادٍ أنت َ فيها ** ولو جارَ الزمان ُ على الفقيرِ)
فقال مَعْن: إن أقمت بيننا فعلى الرَّحْب والسَّعة ، وإن رحلت عنا فمصحوبا ً بالسلامة.
فقال الأعرابيُّ وقد أعياه حِلْمُ مَعْنٍ:
(فجُدْ لي يا بن ناقِصَةٍ بمالٍ ** فإني قد عزمتُ على المسيرِ)
فقال مَعْن: أعطوهُ ألف َ دينار، فأخذها وقال:
(قليلٌ ما أَتَيْتَ بهِ وإني** لأطمعُ منك بالمالِ الكثيرِ)
(فثنِّ فقد أتاك المُلْكُ عفواً ** بلا عقلٍ ولا رأيٍ منيرِ)
فقال مَعْن: أعطوهٌ ألفاً ثانياً. فتقدَّم الأعرابي إليه وقبَّل يديه ورجليه
وقال:
(سألْتُ الجودَ أن يبقيك َ ذُخْراً ** فما لك في البريةِ من نظيرِ
فمنك الجودُ والإفْضالُ حقاً ** وفَيْضُ يديْك كالبحرِ الغزيرِ)
فقال مَعْنُ: أعطيناه على هجونا ألفين، فأعطوه على مدحنا أربعة آلاف!!!
فقال الأعرابي ُّ: جُعِلْتُ فداك، ما فعلْتُ ذلك إلاّ لمئة بعير جُعِلَتْ على إغضابك
فقال مَعْن: لا خوف عليك، ثم أمر له بمئتي بعيرٍ، نصفها للرهان والنصف الآخر له
فانصرف الأعرابيُّ داعياً شاكراً!!!