الأغنياء ..
يقول المنفلوطي :
لم أر بين جماعة المتسولين الذين يضربون في الأرض وراء لقمة يتبلّغون بها أو خرقة يتقون بها لفحة الرمضاء ، و هبة النكباء ، ولا بين البؤساء الذين يحرقون فحمة الليل بكاء و نحيبا على صغار كفراخ القطا يتلوون في مضاجعهم من الجوع ، تلوي الأفاعي المضطربة فوق الرمال الملتهبة و تحت الشمس المحرقة ، أسوأ حالا و لا أنكد عيشا و لا أعظم شقاء من هؤلاء الفقراء الذين يسميهم الناس أغنياء .
يأكل الموسر الباخل كما يأكل الفقير ، و يجلس كما يجلس وينام كما ينام ، و يشتهي كما يشتهي ، حتى لتكاد تثب أمعاؤه من جوفه و تسيل أحشاؤه من بين أشداقه ، شوقا إلى ما حرّم على نفسه من أطايب العيش و لذائذه ، و يستنّ استنان الجواد الضامر في ميدان السبق وراء الدرهم البعيد مناله ، حتى تنبهر أنفاسه ، وتتخاذل أوصاله ، حتى لو تخيل أن نجوم السماء دنانير منثورة لطار إليها بغير جناح ، فسقط هاويا ، أو إن في بطن الأرض كنزا مذخورا ، لتمنى أن لو انفجر بركانها تحت قدميه فابتلعته فأصبح من الهالكين .
الغني هو الغني بما في يده عما في أيدي الناس ، و الفقير هو الذي لا يقنعه في هذه الحياة مقنع ، و لا تقف به نفسه عند مطمع
فانظر تحت أي عنوان من هذين العنوانين تضع البخلاء الموسرين ؟!
النظرات