صيام ستة أيام من شوال
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان ، ثم أتبعه ستاً من شوال ، فذلك صيام الدهر " .
أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي .
قال الترمذي : وقد استحب قوم صيام ستة أيام من شوال بهذا الحديث .
قال ابن المبارك : هو حسن هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر .
قال ابن المبارك: ويروى في بعض الحديث ويلحق هذا الصيام برمضان ، واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام في أول الشهر» وقد روي عن ابن المبارك أنه قال : إن صام ستة أيام من شوال متفرقا فهو جائز .
في هذا الحديث الحث والترغيب في صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان وذلك لأنه كما جاء في الحديث كان كصيام الدهر في الأجر وليس في الفعل أي أن من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فله أجر صيام السنة كاملة لا أنه صام السنة كاملة وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام الدهر كله ، فالذي يصوم هذه الستة أيام من شوال مع رمضان له أجر صيام السنة كاملة وبيان ذلك ما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة " .
والحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والدارمي وابن حبان وابن خريمة وصححه الألباني في صحيح الترغيب . وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها .
و في الحديث استحباب صيام هذه الأيام الست وهو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله سواء كانت متتابعة أو متفرقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها ولم يقيدها بالتتابع فمن صامها متتابعة أو متفرقة فلا فرق في ذلك المهم أن تكون في شوال ولكن هل المرأة التي لها عذر الفطر بالنفاس وقد أفطرت رمضان ولم تتمكن من صيام الست إلا بعد شوال لقضاء رمضان هل لها أجرها ؟
الجواب : نعم تحصل على الأجر لأنها أخرت الصيام لعذر شرعي والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها وهذه المرأة لم تستطيع الصيام لما بها من العذر الشرعي فإذا زال العذر وقضت رمضان ثم صامت ستة أيام فتحصل على الأجر إن شاء الله تعالى .
وهل يجوز صيام ستة أيام من شوال قبل صيام قضاء رمضان ؟
الجواب : اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين :
الأول : أنه يجوز صيام الست من شوال قبل صيام قضاء رمضان وهؤلاء قالوا إن الأمر في القضاء على التراخي واستدلوا بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أصومه حتى يأتي شعبان " .
وأما القول الثاني : فهو أنه لا يجوز صيام ستة أيام من شوال قبل صيام قضاء رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثم أتبعه ستاً من شوال " ، والذي عليه قضاء من رمضان لا يصدق عليه أن صام رمضان كاملاً ثم أتبعه ستاً من شوال ، ولأن البداءة بإبراء الذمة بصيام قضاء رمضان أولى من صيام الست من شوال لأنها نافلة مستحبة وإتمام الفرض أولى من صيام النفل ، وعليه فالقول الراجح أن قضاء رمضان مقدم على صيام الست من شوال .
وعليه فيجب على من أراد أن يصوم الست من شوال أن يبادر بصيام قضاء رمضان ، والحكمة من صيام ستة أيام من شوال أنها تكمل النقص الواقع في صيام الفرض لأن النوافل تكمل ما نقص من الفرائض .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
" إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم اتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها .
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا " .
وقال أيضاً رحمه الله :
" وقد تقدم عن أم سلمة أنها كانت تأمر أهلها من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ أن يقضيه الغد من يوم الفطر فمن كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته وهو أولى من التطوع بصيام ستة من شوال فإن العلماء اختلفوا فيمن عليه صيام مفروض هل يجوز أن يتطوع قبله أو لا وعلى قول من جوز التطوع قبل القضاء فلا يحصل مقصود صيام ستة أيام من شوال إلا لمن أكمل صيام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فمن كان عليه قضاء من رمضان ثم بدأ بصيام ست من شوال حيث لم يكمل عدة رمضان لم يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كما لا يحصل لمن أفطر رمضان لعذر بصيام ستة من شوال أجر صيام السنة بغير إشكال ومن بدأ بالقضاء في شوال ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ستة من شوال بعد تكمله قضاء رمضان كان حسنا لأنه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال ولا يحصل له فضل صيام ست من شوال بصوم قضاء رمضان لأن صيام الست من شوال إنما تكون بعد إكمال عدة رمضان " .
إن صيام ستة أيام من شوال من نعم الله عز وجل على العباد وذلك أنه سبحانه وتعالى ييسر لهذه الأمة المباركة القليل من العمل بالكثير من الأجر والثواب تفضلاً ورحمةً منه سبحانه وتعالى وهذا في كثير من الأعمال التي حث الشرع عليها ورتب عليها الأجر الكبير وإن هذه النعمة يجب على جميع العباد شكرها نسأل الله أن يوفقنا وإخواننا لاغتنام مواسم الخيرات وأن نحظى بعظيم الدرجات إنه جواد كريم صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .