قصيدة :
"هانت على الأهل الكرام دمانا"
شعر فاروق جويدة
..............................
كتبها الشاعر بمناسبة مرور عام على ثورة 25 يناير المصرية ، وهي قصيدة على لسان شهداء الثورة يتوجهون فيها باللوم والعتاب على من تخاذلوا عن القصاص لدمائهم، وتباطؤا في محاكمة الجناة عليهم .
القصيدة نشرتها جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي 24 يناير :
..........................
هانت علي الأهل الكرام دمانــا
وتفرقت بين الرفاق خـطــانــــــــــا
عدنا إلي الميدان نسأل حلمنــــا
بكت الربوع وحزنـهــا أبكــانــــــــا
أين القلوب تضيء في أرجائــه
وتزف شعبا في الصمــود تفانـى ؟!
أين الرفاق وأين صيحات بدت
للكون بعثـا عاصفــــا أحيانـــــا ؟!
أين الشباب وقد توحد نبضهـــــم
وتجمعوا في بأسهــم إخـوانــــــا ؟!
أين الحناجر كيف قامت صرخة
كم أيقظت بصهيلها الفـرســانـــا ؟!
وجه الشهيد وقد تناثـر في المدى
وغدا نجوما في دجى دنيـــانـــــــــا
جسد يحلق في الأيادي سابحــا
في حضن أم أشبعتـه حنـانــــــــا
هانت على الأهل الكـــرام دمــانـــــا
نامت علي الدرب الحزين جوانح
وتجمدت خلف الرؤى أجفانــــــــا
والناس تسأل: ما الذي يبقى لنـــــا
بعد الشهادة موطنـا ومكــــانـــــــا ؟
يوما غرسنا الحلم في أعماقنــــــا
حتي غدا في يأسنا بــــركانــــــــــا
أن نطلق الشمس السجينــــة بيننا
ليطل صبح من خريف صبانـــــــــا
في ساحة الميـــدان كنا أمــــــــة
وهبت رحيق شبابها قـربــــانــــــــا
أجسادنا كانت تلـــوذ ببعضهــــا
حزن التراب يعانـــــق الأكفــانــــــا
يتعانق الدم الجسور على الثرى
كنا نراه كنيســــــــــة وأذانــــــــــا
في ساحة الميدان صلـينا معـــــا
قمنا حشودا نرجــــــــم الشيطانـــــا
وتطوف في الميدان أرواح بــــدت
فوق البيــــوت أزاهرا وجـنــانــــــــا
الكون صلى.. والربوع تطهـــــــــرت
من رجس عهد مظـلــم أعمانـــــــا
هانت على الأهــــــل الكرام دمانـــــــــا
هل تذكرون شبابنــــــــــا وصبانـــــا
والأرض تحضن بالدموع دمانــــا ؟!
ونطوف في صخب الشوارع لا نرى
غير الرصاص على المدى يلقانـــا
وقذائف القناص تطفئ أعينـــــــــــا
فـيتيه بين جنــــوده نشـــــــــوانـــــا
لم يرحم العين السجينة في الأســـى
رسم النهاية خســـة وهوانـــــــــا
يلقي علينا النار وهي خجولــــــــة
والنار ترحم بعضـهـــا أحيانــــــــــا
كنا نرى أن الوفاء ضريبـــــــــــة
حق لمن وهـــب الحيـــاة وعانـــــى
عدنا إلى الميدان نســـأل: ما بـــــه؟
صرخ الحزين وبؤســـــــه أدمانـــــــا
حين انتفضنا في الشوارع لم يكن
سوق الغنائم مطمعـــــــا أغرانــــــــا
هانت على الأهل الكرام دمــانــــــــــا
أترى نسيتم دمعنا ودمـــــــــانــــــا
عرس تبدل بيننـــــــا أحزانــــــــــــــا
ما عادت الأيدي تصافح بعضهــــا
حتى خـطانا.. لم تعــد كخطانـــــــــا
كيف الدماء تمردت في مهدهــــــا
وبكل قلب مزقــت شريانـــــــــــــــا ؟
صرنا أمام الناس خدعة صبيــة
هدموا البلاد.. وخـربــوا الأوطانـــا
هانت على الأهل الكرام دمانـــــا
عاد الزمان الوغد يعبث خلســة
ويدور حـول دمائنــــــــا ظمآنــــــــــــا
وطن يساومنا.. وعهد فاجــــــــر
وفساد طاغية.. وشعــــب عــانــــــــى
وتسابقت للثأر عصبة قاتـــــل
حشدوا الفلول.. وحاصروا الفرسانــا
فرعون في صخب المزاد يبيعنا
ويطل خلــــــف جنــــــــوده سكرانــــــا
وعصابة التدليس ترتع حولــه
وتـشيــــــد من أشلائنا التيجـــــــانـــــــا
فإذا انتشي الفرعون قام رجالـه
سحلوا النساء.. وضاجعوا الشيطـانـــا
ركـب العبيد الساجدين بعرشــه
ألغوا الأذان.. وحاصــــــــروا القـــرآنا
وعلى بقايا النهر جاعت أمــــة
كم أطعمـــــــــت من خيرهـــــــا بلدانــــا
نهبوا ثمار الأرض.. باعوا سرها
الذئب يعوي.. واللصوص حزانــــــــــى
تتنكرون لمن أضاءوا ليلــكـــــــم
وتبايعون الإفك والبهتـــــــــانــــا!
من شردوا وطنـا وباعوا أمــــــــة
وتواطئوا في غيهـــم أزمانــــــــا
هانت على الأهل الكرام دمانا
هل تذكرون دموعنا ودمـــــــانــــــــا
الركب ضل.. فمن يعيد خـطانا ؟!
الموت لم يهزم جســــارة عمرنـــــــــا
لكن ظلم الأهـــــــل قد أشقانــــــا
حتي الأماكــن هاجـــرت من حلمهـــا
وتبدلــت أشواقــهـــــا هجرانــــــا
في كل ذكرى سوف نرفع رأسنــــــا
لنرى المفــارق كلهــا ميدانــــــــا
فإذا غفا يوما وشـــــــاخ شبابـــــــــه
أو عاد يشكو العجز والنسيـانـــــا
وأفاق في صخب الجموع وقد رأى
فرعون آخــر يجمــــــــــع الكهـــــــانـا
سيطل من صمت الحناجر يمتطـــي
زمن الإباء.. ويعلـــــن العصيـــانـــــــا
ويعود يحكي عن شباب ثائــــــــر
وهب الحيـــاة لشعبــنـــــــــا وتفـانـــى
كانوا رجالا في الخطوب وأنجما
كالبرق لاحت في ظلام سمــانا
كانوا دعاء الأم.. فرحة عيدهــــــا
ونقاء أرض أنجبـت فـرسانــــــــــــــا
فإذا خـبت في ليلكم ذكـرانـــــــــــا
وغدا الشباب محاصرا.. ومهانــــــــا
لا تسألوا كيف الرفاق تفرقــــــوا
ولتسألوا: من في الضمائر خــــــــانا ؟
عودوا إلى الميدان.. قوموا فتشوا
عن عاشق في حبه كـــم عانـــــــــــى
هو لم يكن جيلا طريدا ضائعـــا
بل كان شمسا أيقظـــــــــــت أوطانـــــــــــــا
من قام يوما يرفض الطغيــــانــا
لا.. لن يكـــون منافقــــــا وجبـــــانـــا