جميع لذات الدنيا سبع
****************
قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - :
إخواني ، احذروا الدنيا ، فإنها أسحر من هاروت وماروت . ذانك يفرقان بين المرء وزوجه ، وهذه تفرق بين العبد وربه . وكيف لا ، وهى التي سحرت سحرة بابل ؟
إن أقبلت شغلت ، وإن أدبرت قتلت .
* إن جميع لذات الدنيا سبع :
مأكل ، ومشرب ، ومنكح ، وملبس ، ومسكن ، ومشموم ، ومسموع ، ومبصر ، وهي
بجملتها خسيسة . . . كما روي عن علىّ رضي الله عنه أنه قال لعمار ابن ياسر رضي الله عنه ، وقد رآه يتنفس كالحزين : (( يا عمار ! إن كان تنفُّسك على الآخرة ؛ فقد ربحت تجارتك ، وإن كان على الدنيا ؛ فقد خسرت صفقتك :
فإني وجدت لذاتُها : المأكولات ، والمشروبات ، والمنكوحات ، والملبوسات ، والمسكونات ، والمشمومات ، والمسموعات ، والمبصرات :
فأما المأكولات : فأفضلها العسل ، وهو صنعة ذباب !
والمشروبات : أفضلها الماء ، وهو أهون موجود وأعز مفقود .
وأما المنكوحات : فمَبَالٌ في مَبَالٍ . . وحسبك أن المرأة تُزين أحسن شيء منها ، ويُراد أقبح شيء منها ! .
وأما الملبوسات : فأفضلها الديباج وهو نسج دودة . .
والمشمومات : فأفضلها المسك ، وهو دم فأرة (1) . .
والمسموعات : فريح هابة في الهواء . .
والمبصرات : فخيالات صائرة إلى الفناء .
هذا كلامه . ومن آفاتها أن كل واحدة منها يتبرّم بها بعد استيفائها في لحظة .
فليعتبر حالة الفراغ من الجماع والأكل بما قبله ، ولينظر كيف ينقلب المطلوب مهروباً منه في الحال ؟! فأين يوازي هذا ما تدوم لذّته ، ولا يفنى أبداً الآباد راحته ، وهو الابتهاج بكمال النفس بالفضائل النفسية ، خصوصاً الاستيلاء على الكلِّ بالعلم والعقل (2).
--------------------------------------------------
(1) قال ابن منظور : (( وربما سمى المسك فأراً ،لأنه من الفأر )) . وفأرة المسك ليست هي الفأرة التي نعرفها وإنما هو شيء يخرج من الغزال حال حياته . وسمى فأراً لشبهه بالفأر ولفورانه .
(2) ميزان العمل للغزالي .