الحجاج والصبيان الثلاثة
-------------------------------
لمّا تولى الحجاج شؤون العراق، أمر مرؤوسه أن يطوف بالليل، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة صبيان فأحاط بهم وسألهم: من أنتم، حتى خالفتم أمر الحجاج؟
فقال الأول:
أنا ابن الذي دانت الـرقاب له : ما بين مخـزومها وهاشــمها
تأتي إليه الرقـاب صاغـــرة : يأخذ من مـــالها ومن دمها
فأمسك عن قتله، وقال: لعله من أقارب الأمير
وقال الثاني:
أنا ابن الـذي لا ينزل الدهر قدره : وإن نزلت يـــوماً فـسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلـى ضـوء نـاره : فمنهم قيام حولـــها وقــعـود
فتأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب
وقال الثالث:
أنا ابن الذي خـاض الصفوف بعزمه : وقوّمها بالســــيف حتى استقـامت
ركابـاه لا تنفـك رجـلاه عنـــهما : إذا الخيل في يوم الكـريهة ولّت
فترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب
فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجام، والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك
فتعجب الحجاج من فصاحتهم، وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم
ثم أطلقهم وأنشد:
كن ابن من شئت واكتسب أدبـا : يغنيـــك محـمـود عن النسبِ
إن الفـتى من يقــول هـاأنــذا : ليس الفـتى من يقـول كان أبـي
_________________