الإمام البخاري
..................................
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري . ولد في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين و مئة للهجرة.
ويروى أن الإمام البخاري قد عميَ في صغره, فرأت أمّه رؤيا جاءها فيها الخليل إبراهيم عليه السلام وقال لها يا هذه قد رد الله علي ابنك بصره لكثرة بكائك
فأصبحت وقد شفى ابنها. واشتهر الإمام البخاري بقوة حفظه ودقته في الرواية وصبره على جمع الحديث.
وقد كانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز
العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء، واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا محدِّثًا، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم، وكانت أمه امرأة صالحة، لا تقل ورعًا وصلاحًا عن أبيه.
والبخاري ليس من أرومة عربية، بل كان فارسي الأصل , وأول من أسلم من أجداده هو "المغيرة بن برد زبة"، وكان إسلامه على يد اليمان الجعفي" والي بخارى؛ فنُسب إلى قبيلته، وانتمى إليها بالولاء، وأصبح "الجعفي" نسبًا له ولأسرته من بعده.
نشأ البخاري يتيمًا؛ فقد تُوفِّيَ أبوه مبكرًا، لكن أمه تعهدته بالرعاية والتعليم،و دفعته إلى العلم و حببته فيه ؛ فشب مستقيم النفس، عفَّ اللسان، كريم الخلق، مقبلا على الطاعة، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين.
وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث، ووجد حلاوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا، حتى إنه ليقول عن هذه الفترة: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في المكتب (الكُتّاب)، ولي عشر سنوات أو أقل".
كانت حافظته قوية، وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئًا مما يُسمع أو يُقرأ، وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين
قوة حفظه:
قدم محمد بن إسماعيل البخاري بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه. فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري. وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين. فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ و البخاري يقول لا أعرفه. وكان العلماء ممن حضروا المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل، ومن كان لم يدر بالقصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ ثم انتدب رجل من العشرة أيضا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا واحدا حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه. فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا والثالث والرابع على الولاء والترتيب حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل مع الآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.
قالوا : هنا يخضع للبخاري ويعترف به فليس العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة.
صحيح البخاري :
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي كافة. بذل فيه صاحبه جهدًا كبيرا, وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاما. ابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده
بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في
الصحيح، لا يوازيه فيه غيره، لا صحيح مسلم ولا غيره.وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء:
صحــيح البخــاري لـو أنصفـــــوه : ما خــط إلا بمــاء الـذهـب
هـو الفـرق بيـن الهـدى والعمى : هــو السـد بيـن الفتـى والعطـب
أســانيد مثــل نجــوم السـمــــــاء : أمــام متــون كمثـــــل الشــهب
بهــا قـام مـيزان ديـن الرســــول : ودان بــه العجــم بعــد العـــرب
فيــا عالمــا أجــمع العـالمـــــون : عــلى فضـل رتبتـه فـي الـرتب