ما الذي أبكاكم؟
كان بالبصرة عابد قد أجهده الخوف والوله (الخوف والحزن) وأسقمه البكاء وأنحله ، فلما حضرته الوفاء جلس أهله يبكون حوله ، فقال لهم : أجلسوني ، فأجلسوه ، فأقبل عليهم ، وقال لأبيه يا أبت ما الذي أبكاك ؟ قال : يا بني ذكرت فقدك وانفرادي بعدك ، فالتقت إلي أمه ، وقال : يا أماه ، ما الذي أبكاك ؟ قالت : لتجرعي مرارة ثكلك ، فالتفت إلي الزوجة ، وقال : ما الذي أبكاك ؟ قالت : لفقد بربك وحاجتي لغيرك ، فالتفت إلي أولاده ، وقال : ما الذي أبكاكم ؟ قالوا : لذل اليتم والهوان بعدك ، فعند ذلك نظر إليهم وبكى. فقالوا له : ما يبكيك أنت ؟ قال : أبكي لأني رأيت كلاً منكم يبكي لنفسه لا لي ، أما فيكم من بكى لطول سفري ؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي ؟ أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب ؟ أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب ؟ أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب ؟ ثم سقط علي وجهه فحركوه ، فإذا هو ميت.