من شعر الحكمة لأبي العتاهية:
الدَهرُ يوعِدُ فُرقَةً وَزَوالا • وَخُطوبُهُ لَكَ تَضرِبُ الأَمثالا
يا رُبَّ عَيشٍ كانَ يُغبَطُ أَهلُهُ • بِنَعيمِهِ قَد قيلَ كانَ فَزالا
يا طالِبَ الدُنيا لِيُثقِلَ نَفسَهُ • إِنَّ المُخِفَّ غَداً لَأَحسَنُ حالا
إِنّا لَفي دارٍ نَرى الإِكثارَ لا • يَبقى لِصاحِبِهِ وَلا الإِقلالا
كَم مِن مُلوكٍ زالَ عَنهُم مُلكُهُم • فَكَأَنَّ ذاكَ المُلكَ كانَ خَيالا
حَتّى مَتى تُمسي وَتُصبِحُ لاعِباً • تَبغي البَقاءَ وَتَأمُلُ الآمالا
وَلَقَد رَأَيتُ الحادِثاتِ مُلِحَّةً • تَنعى المُنى وَتُقَرِّبُ الآجالا
وَلَقَد رَأَيتُ مَساكِناً مَسلوبَةً • سُكّانُها وَمَصانِعاً وَظِلالا
وَلَقَد رَأَيتَ مَنِ اِستَطاعَ بجَمعِهِ • وَبَنى فَشَيَّدَ قَصرَهُ وَأَطالا
وَلَقَد رَأَيتُ مُسَلَّطاً وَمُمَلَّكاً • وَمُفَوَّهاً قَد قيلَ قالَ وَقالا
وَلَقَد رَأَيتُ الموتَ كَيفَ يُبيدُهُم • شيباً وَكَيفَ يُبيدُهُم أَطفالا
وَلَقَد رَأَيتُ المَوتَ يُسرِعُ فيهِمُ • حَقّاً يَميناً مَرَّةً وَشِمالا
فَسَلِ الحَوادِثَ لا أَبا لَكَ عَنهُمُ • وَسَلِ القُبورَ وَأَحفِهِنَّ سُؤالا
فَلتُخبِرَنَّكَ أَنَّهُم خُلِقوا لِما • خُلِقوا لَهُ فَمَضَوا لَهُ أَرسالا
وَلَقَلَّ ما تَصفو الحَياةُ لِأَهلِها • حَتّى تُبَدَّلَ مِنُهُم أَبدالا
أَأُخَيَّ إِنَّ المَرءَ حَيثُ فِعالُهِ • فَتَوَلَّ أَحسَنَ ما يَكونُ فِعالا
فَإِذا تَحامى الناسُ أَن يَتَحَمَّلوا • لِلعارِفاتِ فَكُن لَها حَمّالا
أَقصِر خُطاكَ عَنِ المَطامِعِ عِفَّةً • عَنها فَإِنَّ لَها صَفاً زَلّالا
وَإِذا الحُقوقُ تَواتَرَت فَاِصبِر لَها • أَبَداً وَإِن كانَت عَلَيكَ ثِقالا
فَكَفى بِمُلتَمِسِ التَواضُعِ رِفعَةً • وَكَفى بِمُلتَمِسِ العُلُوِّ سِفالا
أَأُخَيَّ إِنَّ أَمامَنا كُرَباً لَها • شَغبٌ وَإِنَّ أَمامَنا أَهوالا
أَأُخَيَّ إِنَّ الدارَ مُدبِرَةٌ وَإِن • كُنّا نَرى إِدبارَها إِقبالا
وَاللَهُ أَكرَمُ مَن رَجَوتَ نَوالَهُ • وَاللَهُ أَعظَمُ مَن يُنيلُ نَوالا
مَلِكٌ تَواضَعَتِ المُلوكُ لِعِزِّهِ • وَجَلالِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى
لا شَيءَ مِنهُ أَدَقُّ لُطفَ إِحاطَةٍ • بِالعالَمينَ وَلا أَجَلُّ جَلالا