من حكم ونصائح الخليفة أبي بكر الصديق:
=======================
(خطب أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فلما حمد الله تعالى ، وصلى على نبيه -صلى الله عليه وسلم -قال :
" ألا إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك .فرفع الناس رؤوسهم فقال : مالكم أيها الناس ؟ إنكم لطعانون عجلون .إن الملوك من إذا ملك ، زهده الله فيما يديه ، ورغبه فيما بيد غيره ، وانتقصه شطر أجله ، وأشرب قلبه الإشفاق ، فهو يحسد على القليل ، ويتسخط على الكثير ،ويسأم الرخاء ، وتنقطع عنه لذة الباءة ( 1 ) .لا يستعمل العبرة ، ولا يسكن إلى الثقة ، فهو كالدرهم القسي ( 2 ) والسراب الخادع ، جذل الظاهر ، حزين الباطن .فإذا وجبت نفسه ، ونضب عمره ، وضحا ظله ( 3 ) ، حاسبه الله فأشد حسابه ، وأقل عفوه ، إلا من آمن بالله ، وحكم كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . ألا وإن الفقراء هم المرحومون .ألا وإنكم اليوم على خلافة النبوة ، ومفرق المحجة ( 4 ) . وإنكم سترون بعدي ملكا عضوضا ( 5 ) ، وملكا عنودا ( 6 ) ، وأمة شعاعا ( 7 ) ، ودما سفاحا ( 8 ) .
فإن كانت للبال نزوة ، ولأهل الحق جولة ظن يعفو لها الأثر ، ويموت لها البشر ، وتحيا بها الفتن ، وتموت لها السنن ، فالزموا المساجد ، واستشيروا القرآن ، واعتصموا بالطاعة ، ولا تفارقوا الجماعة . وليكن الإبرام بعد التشاور ، والصفقة بعد طول التناظر . أي بلادكم خرشنة ( 9 ) ؟ فإنكم سيفتح أقصاها ، كما فتح عليكم أدناها ".).
============================
( 1 ) الباءة : النكاح .( 2 ) القسي : أي الردئ .
( 3 ) ضحا ظله : برز الشمس ، أراد ظله قد تقلص ، أي عبارة عن الموت .( 4 ) المحجة : الطريق .( 5 ) العضوض : الشديد العنيف الطاغي ، فيه عسف .( 6 ) العنود : الطاغي .( 7 ) الشعاع : المتفرق .( 8 ) المفاح : السائل المهراق .( 9 ) خرشنة : بلد قرب ملطية من بلاد الروم.
_________________